يبقى الدور الإيراني رأس حربة التحديات أمام أي برنامج عمل حكومي جديد في العراق منذ 2003 ولغاية اليوم. ما حظي به النظام الإيراني على الساحة السياسية العراقية، يجعل التوافق على رئاسة الوزراء أمراً لا يتأتى بسهولة. حسم الملف مرتبط بشكل مباشر بمدى الإيمان بأبوية المشروع الإيراني بالمنطقة وليس العراق فحسب أولاً. ويرتبط ثانياً بثقل
الالتزامات السياسية والمادية التي تقع على عاتق رئيس الحكومة القادم وفريقه. بما يشمل إلزام الأحزاب السياسية له بالحفاظ على المحاصصة الطائفية كإطار دستوري محصن لكل عمليات الابتزاز والفساد التي تقودها.
تسمية الكاظمي رئيساً للوزراء لم تمر مرور الكرام. وهناك من اعتبرها من حيث المبدأ مؤشراً على أن سفن العراق السياسية بدأت السير بما لا تشتهي رياح النظام الإيراني. الأمر الذي يفسر قلق الأخيرة وأذرعها على الأرض من شكل جديد قد تتخذه طاولة الشطرنج السياسية في بغداد. وقد يدفعها إلى تغيير قواعدها بالاشتباك ليصبح السلاح أكثر فاعلية بالمرحلة القادمة.
قيادة الحكومة العراقية في مرحلة كهذه مكلفة وشاقة، لا يحسد عليها أحد. وحتى إن حصن الكاظمي نفسه بشبكة علاقات ممتدة في اتجاهات متعددة، فعلى حكومته أن تدرك أن البلاد والعباد ليسوا على ما يرام. التركة مثقلة بفواتير باهظة ومستحقة السداد في ظل أوضاع اقتصادية متدهورة نتجة فايروس كورونا، وانهيار أسعار النفط، وخزينة فارغة، ومطالب ملحة للشارع اليافع.
تشبع المجتمع العراقي بعاطفة تجاه مرجعياته الدينية في إطارها الطائفي طالما جعلته عرضة لتسلط أحزاب فاسدة، تستمد وجودها من ذات الأسس الطائفية ورمزيتها الثقافية. لذلك بقيت الجرعة السياسية في الإطار الطائفي للمجتمع، ورقة يمكن للتلاعب من خلالها بمصير المجتمع وتهديد أمنه. يسهل تحويلها إلى ألغام متشظية لا تقف عند حد الإطار الوطني، بل تمتد بتفاصيلها وتداعياتها إلى الخارج الإقليمي. النظام الإيراني بالمقابل أدرك ذلك مبكراً ووضعه خياراً استراتيجياً للعراق وللمنطقة. وبالتالي فإن ضبط بوصلة الأولويات الوطنية والإقليمية بما يشمل قرار الحرب والسلم، يعد تحد آخر ينتظر الكاظمي وحكومته لمكافحة الفوضى المهيمنة على البلد. تعزيز قوة الأجهزة الوطنية وفي مقدمتها الأمنية، ودعمها بقرارات وطنية مستقلة وشجاعة أمر حيوي، يقتضي حزمة تفاهمات داخلية واضحة، غير متذبذبة في موقفها بين الإطار القانوني للدولة وبين الأطر الطائفية للمجتمع. ولا سبيل لتجنب انشقاق العصا الوطنية للمجتمع وتقسيمه إلى فئات متصارعة، إلا من خلال برنامج عمل إصلاحي وواقعي، يرسم المسافة بين الديني والدنيوي بدقة، ويؤطر العمل المؤسسي للدولة بعيداً عن استدعاء مظلوميات الطوائف وسلاح مليشياتها.
استثنائية العراق تكمن في أن اتجاه بوصلته السياسية بالداخل تتأثر وتؤثر بإتجاه بوصلته بالخارج. وتوازنات الداخل لا تستقيم بعيداً عن توازنات الخارج. وما بين الهوية القومية والهوية الطائفية مسافة من التداعيات والمخاطر لا بد من مراعاتها. يأتي في مقدمتها إدراك الخلاف المنهجي بين ما تراه المؤسسة الدينية في النجف، وبين ثورية المعالجة التي يتمسك بها نظام طهران. طائرة العراق التي اعتادت الذهاب لطهران في كل شاردة وواردة لن تتقبل تغيير مسارها باتجاه الرياض دون ثمن. فالمملكة وبالرغم من كل ما أحدثته حكومات الطوائف المتعاقبة ببغداد، تدفقت بإيجابيتها ورحبت منذ اللحظة الأولى ومن أعلى مستوى إيماناً منها بالدور الإقليمي للعراق في صد مشاريع االفوضى بالمنطقة. تبقى مهمة الكاظمي بالمرحلة القادمة ليست سهلة، لكنها حتماً ليست المهمة المستحيلة. فثمة ما يستحق التضحية. والقرار بالنهاية هو الفيصل.
كاتب سعودي
الالتزامات السياسية والمادية التي تقع على عاتق رئيس الحكومة القادم وفريقه. بما يشمل إلزام الأحزاب السياسية له بالحفاظ على المحاصصة الطائفية كإطار دستوري محصن لكل عمليات الابتزاز والفساد التي تقودها.
تسمية الكاظمي رئيساً للوزراء لم تمر مرور الكرام. وهناك من اعتبرها من حيث المبدأ مؤشراً على أن سفن العراق السياسية بدأت السير بما لا تشتهي رياح النظام الإيراني. الأمر الذي يفسر قلق الأخيرة وأذرعها على الأرض من شكل جديد قد تتخذه طاولة الشطرنج السياسية في بغداد. وقد يدفعها إلى تغيير قواعدها بالاشتباك ليصبح السلاح أكثر فاعلية بالمرحلة القادمة.
قيادة الحكومة العراقية في مرحلة كهذه مكلفة وشاقة، لا يحسد عليها أحد. وحتى إن حصن الكاظمي نفسه بشبكة علاقات ممتدة في اتجاهات متعددة، فعلى حكومته أن تدرك أن البلاد والعباد ليسوا على ما يرام. التركة مثقلة بفواتير باهظة ومستحقة السداد في ظل أوضاع اقتصادية متدهورة نتجة فايروس كورونا، وانهيار أسعار النفط، وخزينة فارغة، ومطالب ملحة للشارع اليافع.
تشبع المجتمع العراقي بعاطفة تجاه مرجعياته الدينية في إطارها الطائفي طالما جعلته عرضة لتسلط أحزاب فاسدة، تستمد وجودها من ذات الأسس الطائفية ورمزيتها الثقافية. لذلك بقيت الجرعة السياسية في الإطار الطائفي للمجتمع، ورقة يمكن للتلاعب من خلالها بمصير المجتمع وتهديد أمنه. يسهل تحويلها إلى ألغام متشظية لا تقف عند حد الإطار الوطني، بل تمتد بتفاصيلها وتداعياتها إلى الخارج الإقليمي. النظام الإيراني بالمقابل أدرك ذلك مبكراً ووضعه خياراً استراتيجياً للعراق وللمنطقة. وبالتالي فإن ضبط بوصلة الأولويات الوطنية والإقليمية بما يشمل قرار الحرب والسلم، يعد تحد آخر ينتظر الكاظمي وحكومته لمكافحة الفوضى المهيمنة على البلد. تعزيز قوة الأجهزة الوطنية وفي مقدمتها الأمنية، ودعمها بقرارات وطنية مستقلة وشجاعة أمر حيوي، يقتضي حزمة تفاهمات داخلية واضحة، غير متذبذبة في موقفها بين الإطار القانوني للدولة وبين الأطر الطائفية للمجتمع. ولا سبيل لتجنب انشقاق العصا الوطنية للمجتمع وتقسيمه إلى فئات متصارعة، إلا من خلال برنامج عمل إصلاحي وواقعي، يرسم المسافة بين الديني والدنيوي بدقة، ويؤطر العمل المؤسسي للدولة بعيداً عن استدعاء مظلوميات الطوائف وسلاح مليشياتها.
استثنائية العراق تكمن في أن اتجاه بوصلته السياسية بالداخل تتأثر وتؤثر بإتجاه بوصلته بالخارج. وتوازنات الداخل لا تستقيم بعيداً عن توازنات الخارج. وما بين الهوية القومية والهوية الطائفية مسافة من التداعيات والمخاطر لا بد من مراعاتها. يأتي في مقدمتها إدراك الخلاف المنهجي بين ما تراه المؤسسة الدينية في النجف، وبين ثورية المعالجة التي يتمسك بها نظام طهران. طائرة العراق التي اعتادت الذهاب لطهران في كل شاردة وواردة لن تتقبل تغيير مسارها باتجاه الرياض دون ثمن. فالمملكة وبالرغم من كل ما أحدثته حكومات الطوائف المتعاقبة ببغداد، تدفقت بإيجابيتها ورحبت منذ اللحظة الأولى ومن أعلى مستوى إيماناً منها بالدور الإقليمي للعراق في صد مشاريع االفوضى بالمنطقة. تبقى مهمة الكاظمي بالمرحلة القادمة ليست سهلة، لكنها حتماً ليست المهمة المستحيلة. فثمة ما يستحق التضحية. والقرار بالنهاية هو الفيصل.
كاتب سعودي